الإسلام عقيدة وشريعة شاملة

الإسلام عقيدة وشريعة

يشكل الإسلام منظومة متكاملة للحياة، تنطلق من عقيدة راسخة تقوم على التوحيد الخالص، وتتجلى في شريعة محكمة تنظم شؤون الإنسان في مختلف جوانب حياته. فالإسلام ليس مجرد طقوس تعبدية أو منظومة روحية فحسب، بل هو نظام شامل يغذي الروح ويوجه السلوك، ويضبط العلاقات الاجتماعية، ويؤسس لنظام عدالة شامل، ويحدد أطر الاقتصاد والسياسة. وقد جاء هذا الدين ليكون متممًا للرسالات السماوية السابقة، خاتمًا لها، جامعًا بين الإيمان بالله والعمل بمقتضى هذا الإيمان، عبر منظومة تشريعية متكاملة تستمد مرجعيتها من الوحي الإلهي: القرآن الكريم وسنة النبي محمد ﷺ.

أولاً: العقيدة الإسلامية – جوهر الإيمان

التوحيد أصل العقيدة

التوحيد هو المحور الأساسي الذي تدور حوله العقيدة الإسلامية، وهو الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى واحدٌ أحد، لا شريك له في ربوبيته، ولا ندّ له في ألوهيته، ولا مثيل له في صفاته وأسمائه. قال تعالى: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [سورة الإخلاص].

ويشمل التوحيد في الإسلام ثلاثة جوانب متكاملة:

1. توحيد الربوبية: الاعتقاد بأن الله هو الخالق، الرازق، المدبر، المحيي، المميت، لا شريك له في أفعاله.

2. توحيد الألوهية: إفراد الله بالعبادة، فلا يُصرف أي نوع من أنواع العبادة إلا له وحده.

3. توحيد الأسماء والصفات: إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله من الأسماء الحسنى والصفات العليا، من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل.

أركان الإيمان

تشكل أركان الإيمان الستة إطار العقيدة الإسلامية، وهي كما وردت في حديث جبريل:

1. الإيمان بالله.

2. الإيمان بملائكته.

3. الإيمان بكتبه.

4. الإيمان برسله.

5. الإيمان باليوم الآخر.

6. الإيمان بالقدر خيره وشره.

هذه الأركان ليست مفاهيم نظرية فحسب، بل هي عقائد راسخة تنعكس آثارها على النفس والسلوك والتصورات والقرارات.

خصائص العقيدة الإسلامية

• ربانية المصدر: مستمدة من الوحي، لا تقبل التغيير أو التحريف.

• شمولية الرؤية: تشمل جميع جوانب الإنسان والوجود.

• التوازن بين العقل والنقل: تحترم العقل وتدعوه للتفكر، لكنها تلتزم حدود الوحي.

• الوضوح والبساطة: تخلو من الغموض والتعقيد الفلسفي.

• الواقعية: تتعامل مع الإنسان كما هو، بطبيعته واحتياجاته.

ثانيًا: الشريعة الإسلامية – نظام شامل للحياة

مفهوم الشريعة

الشريعة في معناها العام تعني الطريق المستقيم، وفي الاصطلاح الإسلامي هي: “ما شرعه الله لعباده من الأحكام والأنظمة التي تنظم شؤون حياتهم في العبادات والمعاملات والأخلاق والعقوبات وغيرها”. والشريعة جاءت لتحقيق مصالح الناس ودرء المفاسد عنهم، في الدنيا والآخرة.

مصادر الشريعة

تعتمد الشريعة الإسلامية على مصادر أساسية:

1. القرآن الكريم: الكتاب المنزل من عند الله، فيه التشريع الكامل والقواعد العامة.

2. السنة النبوية: قول وفعل وتقرير النبي محمد ﷺ، وهي بيان وتفصيل لما جاء في القرآن.

3. الإجماع: اتفاق علماء المسلمين في عصر من العصور على حكم شرعي.

4. القياس: إلحاق فرع بأصل لعلة مشتركة بينهما.

مقاصد الشريعة

من أعظم ما تميزت به الشريعة الإسلامية أنها لم تأتِ لإرهاق الناس أو تضييق عليهم، بل لتحقيق مصالحهم في الدنيا والآخرة. وقد بيّن العلماء أن مقاصد الشريعة تتمحور حول خمسة أصول عظيمة:

تطبيقات الشريعة

في العبادات

الشريعة تنظم العلاقة بين العبد وربه من خلال أحكام الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وغيرها من العبادات التي تزكي النفس، وتربط الإنسان بخالقه، وتُنمّي فيه التقوى والإخلاص.

في المعاملات

تنظم الشريعة مختلف صور التعامل بين الناس، في البيع والشراء، والإجارة، والشراكة، والميراث، والوقف، والهبة، والقرض، وغيرها. وقد بنيت هذه المعاملات على العدل، والرضا، وحفظ الحقوق.

في الأسرة

تؤسس الشريعة نظام الأسرة على المودة والرحمة، وتشترط للزواج شروطًا تحفظ الكرامة والحقوق، وتنظم علاقات القرابة، والنفقة، والتربية، والطلاق، والحضانة، والمواريث.

في القضاء والعقوبات

أقرت الشريعة نظامًا قضائيًا متينًا يقوم على الشفافية، والعدالة، والبينة، ومراعاة الظروف، وأقرت الحدود والقصاص والتعزيرات للحفاظ على النظام العام، وردع الجريمة، وتحقيق الأمن.

في الأخلاق والسلوك

لا تنفصل الشريعة عن منظومة القيم، بل تُعنى بالأخلاق باعتبارها من جوهر الدين، حيث تدعو إلى الصدق، والأمانة، والعفة، والرحمة، والإحسان، والتسامح، والتواضع، وغيرها من الفضائل.

ثالثًا: العلاقة بين العقيدة والشريعة

الإسلام في جوهره توحيد يتبعه تشريع، فالعقيدة هي الأساس النظري الذي يبني عليه الإنسان إيمانه، بينما الشريعة هي الإطار العملي الذي يترجم هذا الإيمان إلى أفعال ملموسة في الحياة. والفصل بين العقيدة والشريعة يؤدي إلى اختلال في فهم الإسلام، وقد يُفضي إلى تطرف أو إلى تقاعس في العمل. فالعقيدة تزرع الإيمان، والشريعة تثمر الالتزام والانضباط.

التكامل بين الجانبين

لا يمكن أن تستقيم الشريعة بدون العقيدة، ولا أن تُفهم العقيدة بمعزل عن التشريع. المسلم المؤمن بالله يُصلي لأن صلاته تقربه إلى الله، ويصدق لأنه يؤمن بأن الكذب حرام، ويتحرى الحلال في طعامه وشرابه ومعاملاته لأنه يؤمن بأن الله أمر بذلك.

إن سمو الإسلام يكمن في هذه الوحدة المتكاملة، التي تجعل من الفرد كائنًا متوازنًا روحًا وسلوكًا، ومن المجتمع كيانًا يسوده النظام، والعدالة، والرحمة، والانضباط، بعيدا عن الفوضى الروحية أو التشريعية.

رابعًا: الإسلام وتحديات العصر

رغم التحولات الكبرى التي يشهدها العالم، تظل الشريعة الإسلامية محافظة على صلاحيتها لكل زمان ومكان، لما تتميز به من مرونة في التفاصيل، وثبات في المبادئ. وقد أثبتت تجارب التاريخ أن المجتمعات التي تطبق الشريعة في صورتها الشاملة العادلة، تحقق قدرًا عاليًا من الاستقرار والعدالة والكرامة الإنسانية.

لكن هذا لا يعني الجمود أو الانغلاق، فقد فتح الإسلام باب الاجتهاد في المسائل المستجدة، بشرط الالتزام بالمقاصد العامة للشريعة، واستنادًا إلى أدوات الفهم الشرعي الصحيحة.

ومن أبرز التحديات التي تواجه الشريعة الإسلامية اليوم:

• التغريب الثقافي والتشريعي: الذي يحاول فرض منظومات قانونية مخالفة لتشريع الإسلام.

• الإعلام الموجه: الذي يشوه صورة الشريعة بإبراز الحدود دون إبراز أبعاد الرحمة والعدالة.

• الجهل بالشريعة: وانتشار فتاوى متطرفة أو سطحية تسيء للإسلام أكثر مما تخدمه.

خامسًا: الدعوة إلى تطبيق الإسلام كمنهج حياة

تطبيق الإسلام كعقيدة وشريعة لا يكون بالادعاء أو بالشعارات، بل بالسلوك العملي، والالتزام الواعي، والانضباط الأخلاقي، والعدالة في الحكم والمعاملة. ولا بد أن تبدأ عملية التطبيق من الفرد إلى الأسرة، ثم المجتمع، وصولاً إلى الأمة بأكملها.

إن نجاح مشروع النهضة الحضارية في العالم الإسلامي مشروط بالعودة الصادقة إلى الإسلام، بفهمه الشامل الذي يجمع بين الإيمان بالله وعبادته، وبين إقامة العدل، ورعاية الحقوق، ومحاربة الفساد، وتحقيق التنمية الشاملة، في إطار من الرحمة والكرامة الإنسانية.

المراجع:

1. الشاطبي، “الموافقات في أصول الشريعة”، دار المعرفة، بيروت.

2. ابن تيمية، “درء تعارض العقل والنقل”، دار عالم الكتب.